اسرة معامل الاستاذ الدكتور كمال فهمى ترحب بالزائر وتتمنى له أن يقضى وقتاً مفيداً

لكى يصلك جديد الموقع ادخل على صفحة المعامل على الفيسبوك واضغط Like الى جوار عنوان الصفحة ..
للدخول الى الصفحة.. اضغط هنــــــا

للدخول الى القسم الخاص بالقوانين واللوائح المنظمة لممارسة المهن الطبية فى مصر ............... اضغط هنا

رسالة الى زملائى وأبنائى ألأطباء

بقلم ا.د. كمال فهمى

الطب مهنة مختلفة عن بقية المهن التى تحيط بنا حيث تتعامل مهنتنا مع أعز وأغلى قيمة للإنسان فى هذه الحياه وهى الحياه نفسها ولذلك كان لهذه المهنة على مر العصور وضع خاص وكان على من يعمل بهذا المهنة ان يتحلى بصفات خاصة تجعله جديرا بها ومن أهم الصفات التى يجب أن يتحلى بها كل طبيب أن يكون هدفه الاساسى أن يعمل كل ما فى وسعه من أجل شفاء مريضه وأن يكون فى داخله الدافع الانسانى القوى الذى يدفعه الى بذل كل الجهد من أجل مريضه وأن يكون العمل من أجل القضاء على المرض هو المحور الذى تدور حوله حياته واماله, ولذلك كان لقب الاطباء دائما : ملائكة الرحمة.
إلا أننى يا زملائى وابنائى الاطباء أصبحت أرى لقب ملائكة الرحمة لا يتردد الان كثيرا بين الناس ولذلك فإننى أوجه اليكم هذه الرسالة كى يعمل كل واحد فيكم على الحفاظ على روح مهنتنا الانسانية التى تتميز بالعطاء الانسانى الذى لا يعرف الحدود. أرجوكم حافظوا على الثوب الابيض ناصعا حتى تكونوا دائما ملائكة الرحمة. واننى من أجل مزيد من التنبيه أعيد هنا نشر مقال للراحل الدكتور سمير سرحان نشره قبل وفاته000 وهذا هو نص المقال:
ملائكة .. بملابس من ورق!
بقلم:د. سمير سرحان
سوف أحكي هذه المرة الحقيقة كما حدثت بالضبط دون أن أحاول أن أدخل عليها أية مبالغات تتطلبها الأساليب البلاغية، أو العبارات الرنانة، أو الجمل المؤثرة، لأن الحقيقة في حد ذاتها كما تبين لي مفزعة فزعا شديدا، وعلينا كما اكتشفت أن نتأمل الحقيقة دون 'تزويق' أو مبالغة ودون كذب أو تزوير ودون ضحك علي الذقون أو محاولة خداع الذات.
فالحقيقة المجردة التي أريد أن أقررها هنا ومن واقع تجربة شخصية أليمة أنه لا يوجد اهتمام حقيقي للبحث العلمي في مجال الطب بمصر، وأن الموجود في مصر هو نوع من الإهمال الشديد في متابعة ما يصل إليه العلم من اكتشافات كل يوم، أو عدم متابعة ما يجري في العالم من حولنا من تقدم طبي مذهل، أو عدم قراءة ما يستجد من أبحاث.. وأنا هنا لا أطلب من اطبائنا النابغين أن يقوموا بأنفسهم بعمل هذه الأبحاث وإنما أريد أن يقرأوها وبأية لغة.. وقد علمتني الفترة الأليمة السابقة أن الطبيب المصري إذا كان يعمل في مستشفي حكومي أو غير حكومي، أو حتي يدرس في الجامعة يبدأ يومه في التاسعة صباحا ليخطف المحاضرات خطفا أمام الأعداد الهائلة من الطلبة، أو يمر مرور القطار السريع علي مرضاه المستلقين في العنابر بلا حول ولا قوة، وعندما يأتي الظهر يأخذ غداءه علي عجل في صورة سندوتش أو ما شابه ذلك، ثم يتجه أيضا علي عجل إلي عيادته حيث تجلس الممرضة أو مديرة العيادة علي الباب 'تقبض' ما لا يقل عن مائة جنيه عن كل مريض يقضي مع الدكتور دقائق معدودة غالبا ما تنقضي في كتابة روشتة سريعة بخط غير مفهوم يدفعها إلي المريض، تحتوي غالبا علي حبوب المضادات الحيوية، التي لا يهمه هل تصلح لهذا المريض أم أنه لا لزوم لها علي الإطلاق، ويطلب منه العودة بعد عشرة أيام ليدفع مائة جنيه أخري وليكتشف في غالب الأحوال أن الروشتة لا تأتي بأية نتيجة. فإذا أتت الساعة الخامسة ينتقل الطبيب إلي عيادة مصر الجديدة أو المعادي أو أية ضاحية من الضواحي وهي في الغالب العيادة 'الأشيك' وزبائنها من رجال الأعمال والأثرياء، وغالبا ما يجد أمامه جدولا للكشف علي هؤلاء الأثرياء من المرضي يبدأ من السادسة مساء حتي الثالثة صباحا، وغالبا وحسب القدرات البشرية المعروفة وغير المعروفة يكون عند تلك الساعة المتأخرة جدا غير قادر حتي علي رؤية الورقة التي يكتب عليها العلاج.
وتتكرر المأساة.. ويطلب من المريض أن يأخذ العلاج ويعود بعد عشرة أيام ليدفع مرة أخري 250 جنيها هي قيمة 'الفيزيتة الشيك' دون أن يكون قد حدث أي شئ في مرضه، وفي النهاية يطلب منه النصيحة أن يذهب إلي الخارج إذا كانت لديه الإمكانيات.. وهذا تقريبا ما حدث معي بالضبط، فمنذ عدة شهور قليلة أحسست ببعض الألم في صدري وأنني غير قادر علي التنفس بسهولة، بل وعاجز تماما عن صعود السلالم حتي لو كان ذلك دورا واحدا، وبما أنني إنسان (أحب الحركة الدائبة والمعافرة) فيما يتعلق بأمور الصحة والعمل والنشاط، لم أعطِ للأمر اهتماما غير أن أحد أصدقائي من الأطباء أشار عليٌ أن أستخدم بخاخة عند اللزوم لتفتح مسارات الهواء في رئتي التي قد تكون ملتهبة بعض الشئ منذ أن كنت أدخن بشراهة قبل أن أتوقف عن التدخين منذ تسع سنوات.. لكنني لاحظت أن هذه الحالة تتزايد شيئا فشيئا، فقررت الذهاب إلي أحد أطباء الصدر الكبار في مصر، وبما أن لي عددا كبيرا من أصدقائي من الأطباء الكبار، فقد استشرت أحدهم فأشار عليٌ أن أذهب إلي أشهر الأساتذة في تخصص الصدر في مصر، واستبشرت خيرا، واتصلت بالأستاذ الأول تليفونيا فرحب بي ترحيبا أخويا شديدا، وقال أنه يقرأ مقالاتي في الجرائد أحيانا اذا وجد الوقت وأنني أستطيع أن أزوره علي الرحب والسعة في العاشرة والنصف من نفس الليلة، وهذه ميزة لا يستطيع أحد أن يحصل عليها لأن المريض الذي يحالفه الحظ في أن يجد ميعادا عند هذا الطبيب الشهير لا يستطيع أن يحصل علي مثل هذا الميعاد قبل شهر أو شهرين علي الأقل، أي أن مثل هذا المريض الذي لا صفة له ولا اسم إذا كان مريضا بحق فسوف يختنق ويتجه إلي الرفيق الأعلي قبل أن يصل إلي هذا الطبيب الشهير، ولكن من حجسن حظي بما أنني كنت معروفا قليلا حصلت علي الميعاد في نفس الليلة.
وذهبت إلي العيادة الفخمة الموجودة في مصر الجديدة ووجدت مالايقل عن مائتي مريض يجلسون من الساعة العاشرة وبحسبة بسيطة وجدت أن الدكتور يحتاج إلي عشر ساعات أخري لكي يكشف علي كل منهم كشفا حقيقيا هذا إذا كان مايزال محتفظا بتركيزه الذهني بعد حوالي 12 ساعة من العمل طوال النهار.. ولكن أسعدني الحظ، ودخلت علي الفور لمقابلة الطبيب في الموعد المحدد وهو العاشرة والنصف وبعد العبارات التي تحتوي علي مجاملات بسيطة عن أهمية معرض الكتاب وغيره لم يسألني عما إذا كان هناك أية كتب طب في معرض الكتاب أو كتب في تخصصه أو أبحاث جديدة يستطيع أن يحصل عليها أو مجلات علمية أو أي شئ، وسلمني كالمحكوم عليه إلي فتاة طيبة ترتدي نظارة سميكة وتكح طول الوقت في وجهي معتذرة عن أنها مصابة اليوم ببرد شديد، وكدت أطلق ساقي للريح لكنني قلت ياواد اصبر، وذهبتْ بي إلي ماكينة شديدة التطور في غرفة مجاورة، وهي ماكينة لقياس وظائف التنفس واكتشفت أن كل ما تفعله هذه الماكينة التي تشبه الكمبيوتر أنني أنفخ فيها نفخا شديدا حتي ينقطع نّفّسي وهي في المقابل تخرج خريطة صغيرة متعرجة الخطوط تجدِل الطبيب في النهاية علي حالة صدري بوظائف التنفس به.
وظلت تعيد إلقاء الأوامر عليٌ بأن انفخ في هذه الماكينة، حتي كدت أن يغمي عليه وتمنيت أن ألقي بنفسي من الشباك وأن أنسي حكاية صدري، وأن الأعمار بيد الله.
وأخيرا انتهي الاختبار، فخرجت وتصورت أنني مريض مدلل وأني سأدخل للدكتور مباشرة، لكن الممرض الجالس في الصالة طلب مني أن أتفضل بالاستراحة مع بقية المرضي حتي ينتهي الدكتور من الكشف علي من دخلوا قبلي وعددهم لا يقل عن 25 مريضا وحاولت عبثا أن أقنعه أني صديق الدكتور وأن اسمي فلان وأنني ممكن أن أجيب له واسطة من أعلي السلطات ولا فائدة.
جلست صاغرا لأكتشف في النهاية أن الساعة بلغت الثالثة صباحا وأن الدكتور قد نسيني مع أن الممرضة لم تنس أن تجدفعني مبلغ 650 جنيها ثمنا لاختبار وظائف التنفس، ورفع حاجبيه وسألني أنت لسه هنا فأجبته نعم فنظر علي عجل شديد وهو لا يكاد يري ماهو مكتوب أمامه علي الورق وقال لي اطمئن.. اطمئن دي شوية ا لتهابات بسيطة ستأخذ مضاد حيوي وستعود بعد عشرة أيام، وانصعت صاغرا، ونزلت واشتريت المضاد الحيوي وأخذت ألتهمه لمدة عشرة أيام والكحة تزيد، والنهجان يزيد، وضيق التنفس يزيد، فأشاروا علي أن أذهب إلي طبيب آخر بنفس مستوي الحرِفية والدرجة المهنية العالية، وهو أستاذ الصدر بجامعة القاهرة وعرضت عليه كشف وظائف التنفس فقال هذه مسألة بسيطة وعليك أن تأخذ دواء كورتيزون وسينتهي الأمر بسرعة شديدة.
واندهشت جدا.. فهذا الطبيب أو ذاك لم يطلب مني أشعة عادية.. مجرد أشعة عادية ولا أقول أشعة مقطعية علي الصدر فطلبت أن أعمل أشعة مقطعية، فقال لي اعمل إذا حبيت فأخذني أخي الطبيب إلي مركز من مراكز الأشعة في نفس اللحظة وأجرينا أشعة مقطعية لنكتشف هول الأهوال.. كان غيظي من هذه الطبيبين وحنقي عليهما ليس لأنهما لم يخطر ببالهما وهما أساتذة الصدر العظام أن يبدآ بألف باء العلاج، وهو طلب الأشعة، ولكن لأنهما استهانا بكل شئ ماعدا أن يصرفا المريض بسرعة ويطمئناه أنه لا شئ مخيف أو يدعو للإنزعاج.. قال لي أحدهما وهو طبيب مرموق جدا فلنذهب إلي أهم مستشفي في مصر الآن لكي نجري 'بيبوبسي' أي يأخذ عينة من المنطقة المصابة لنعرف ما إذا كانت خبيثة أم حميدة، فأخذ يقسم بكل أسماء الله الحسني وبأجداده وأجداد أجداده أنه متأكد أنها حميدة، وعدت أنظر إلي السماء متمنيا أن يكون كلامه صحيحا.
وفي أحد المستشفيات الكبري استجقبلنا استقبالا رائعا، وكان معنا نخبة من الأساتذة العظام، ومنهم أيضا صديقي الدكتور عادل إمام الذي وجدهم يأمرون بالإسراع بإعداد غرفة العمليات، ليأخذوا العينة بسرعة ويحللوها لكي نعرف طبيعة المرض ويقرروا أسلوب العلاج، وبالفعل تمت الترتيبات في سرعة البرق وبدأت في خلع ملابسي واستسلمت للطبيب الذي سوف يجدخل في صدري أنبوبة تنتزع منه عينة تدلنا علي نوعية ما أعانيه من مرض.. وفجأة تذكر أحدهم أنه قبل أن يحدث هذا لابد من إجراء تحليل للدم لمعرفة مقدار السيولة في دمي لأنه لو زاد هذا المقدار بنسبة معينة فسوف أصاب بنزيف شديد جدا يصعب إيقافه وأصبح في تعداد المرحومين في أسرع وقت.
وهنا جاءت 'الجنونة السرحانية' التي تصيب أخي الطبيب الدكتور مجدي في أوقات الأزمات.. ومجدي ليس أستاذا كبيرا بالجامعة مثلهم، ولكنه طبيب قديم متمرس يحرص دائما علي متابعة كل ما هو جديد في عالم الطب، ويشترك في أكثر من عشر مجلات علمية ليطور نفسه ويتعلم، يحركه ضميره الطبي أولا، وإذا بمجدي يحملني كطفل صغير علي كتفه، وأنا الذي أكبره بعشر سنوات. ووقاري باعتباري أخاه الأكبر، يتعرض للإهتزاز، ويقذف بي في السيارة، ويطلب من الدكتور عادل إمام صديقنا المشترك أن يدخل السيارة بسرعة لكي نهرب من هذا الجحيم.. وبالفعل تحرك السائق حتي باب المستشفي الذي يبعد 500 متر عن المستشفي، فإذا بنا نجد عشرة أشخاص يشيرون إلي السائق بالتوقف فورا، وبعضهم يقفز فوق 'كبوت السيارة' ويخبط بشدة علي الزجاج ليجبرنا علي الوقوف، فتصورنا أن الحرب قد قامت، وأننا لابد أن نعود لنعمل العملية بالعافية سواء أجصبت بالنزيف أم لا.
وظهرت ملامح الغضب علي وجه الدكتور عادل إمام وقال لهم.. إيه يابني أنت وهو.. أنا الدكتور فلان، فقال أحدهم عارفين يافندم، لكن لازم تجيبوا لنا ورقة من السكرتارية، فقفز أخي وذهب إلي السكرتارية ليكتشف أننا نسينا أن ندفع 1400 جنيه هي ثمن زيارة المستشفي قبل أن نجري فيه أية عمليات أو علاج فدفعها أخي بسرعة شديدة، وعاد إلي السيارة وطلب من السائق أن ننطلق بأسرع ما يمكن إلي أقرب مكان فيه طائرة تقلنا إلي بلد أجنبي يعرف معني الحياة الإنسانية
ماذا حدث للمدرسة المصرية في الطب؟ وهل أصبح أطباؤنا العظام ملائكة يرتدون ملابس من ورق؟!