تحقيقات الاهرام: 22 اكتوبر 2008
لم تعد قضية تضارب نتائج التحاليل بالمعامل الطبية لعينة واحدة خطأ فرديا أو ظاهرة شخصية بعدما استفحلت حتي كادت تتحول الي ظاهرة عامة, وهو مايؤكده ماتلقته تحقيقات الأهرام من بلاغات عن أخطاء فادحة في نتائج معامل التحليل. وبينما يؤكد الأطباء أن غياب الرقابة والتفتيش الفعال علي المعامل هو أحد الأسباب القوية في هذه الانتكاسة العلاجية, يقول المسئولون من جانبهم إن هناك خطة للتفتيش الدوري والمفاجيء والنوعي علي المعامل بجميع المحافظات, حفاظا علي صحة المواطنين, التي يمكن أن تذهب بسبب تحليل خاطيء أو مضلل.يقول خالد حسن: توجهت بنجلي الصغير البالغ5 سنوات الي الطبيب المعالج لملاحظة إصفرار وجهه وعدم شهيته للطعام وطلب إجراء عدة تحاليل دم فتوجهت لأقرب معمل تحاليل وعقب تسلمي النتيجة ووصولها للطبيب المعالج تغير وجهه كما لو كان هناك شيء خطير في نتيجة التحاليل وطلب مني علي وجه السرعة إعادة التحليل مرة أخري في معمل آخر فتوجهت علي الفور للمعمل وأعدت التحليل الذي تبين أن نتائجه مختلفة تماما عن التحاليل الأولي حيث قرر لي الطبيب أن التحاليل الأولي تؤكد وجود سرطان بالدم بينما النتيجة الثانية أظهرت وجود أنيميا بالدم وسلامة طفلي من هذا المرض الخبيث لكنني قمت بعمل تحليل ثالث لطفلي في معمل آخر ليؤكد النتيجة الثانية.ويشكو هشام أنه توجه الي أحد المعامل المعروفة لعمل تحاليل مطلوبة منه لتعيينه في إحدي المؤسسات ففوجيء بأن النتيجة تؤكد إصابته بفيروس(B وC) يقول: أكد لي طبيب المعمل أن العلاج سهل لأنني حامل للفيروس ولست مريضا به وصحيح أن العلاج مكثف ولمدة تطول الي4 أشهر بجانب أنه مكلف ماديا إلا أنه سيأتي بنتيجة.ويستكمل هشام أنه أصيب بحالة اكتئاب شديدة ورفض للعلاج وللاختلاط بالأقارب والأسرة لمدة10 أيام حتي نصحني أحد الأصدقاء المقربين باعادة التحليل في معمل آخر معروف عنه الكفاءة وتوجهت الي معمل التحاليل لتكون النتيجة أنني سليم وغير حامل لأي فيروس ولم أصدق وقمت باعادة التحليل في معملين آخرين أكدا نفس النتيجة وهي أنني سليم تماما.ويتساءل هشام: ماذا كان يحدث لي لو توجهت بهذا التحليل للطبيب المعالج وتم علاجي بهذه العقاقير نتيجة تحليل خاطيء ؟في جميع المحافظات!يؤكد محمد حسين أنه مريض بورم سرطاني بالأمعاء وأجري لي الأطباء عملية جراحية وخضعت للعلاج الاشعاعي والكيميائي والحمد لله تماثلت للشفاء ولكنني كل فترة يتم عمل تحاليل دلالات أو أورام للاطمئنان وللأسف الشديد غيرت معمل التحاليل الذي كنت أتعامل معه ففوجئت بأن نسبة الدلالات ارتفعت فجأة.وتشكو سيدة من أخطاء معامل التحاليل خاصة في المحافظات التي لا يوجد بها فروع للمعامل الكبري المعروفة حيث تحكي تجربتها بأنها قامت بعمل تحليل في أحد المعامل بمحافظة القليوبية وكانت نتيجته خاطئة لولا أن الطبيب المعالج يعلم جيدا حالتها فنصحها باعادة التحليل مرتين في معملين مختلفين ليتأكد من النتيجة السليمة للعينة وتتساءل: هل المواطن يقدر علي إعادة التحاليل في أكثر من معمل للتأكد من حالته ؟ ومن أين يأتي بهذه التكاليف.تساؤلات.. وإجاباتهنا نتساءل: هل تؤدي نتائج التحاليل الخاطئة إلي تشخيص خاطيء وبالتالي إلي وفاة المريض أو تعرض حياته للخطر ؟!ومادور وزارة الصحة ؟! وأين الرقابة ؟ وهل من حق أي أحد فتح معمل تحاليل ؟! وماهي اشتراطات فتح المعمل ؟ أو ماأسباب اختلاف نتائج التحاليل بالمعامل المختلفة ؟!يجيب الدكتور حسني محمد الفيومي استشاري أمراض الباطنة والقلب والسكر وعضو الجمعية المصرية الألمانية لأمراض الكبد قائلا إن تشخيص أي مرض يعتمد علي الحاسة الطبية والتشخيص الاكلينكي( الظاهري) للمريض حيث إن معظم الحالات يوجد بها أعراض متشابهة تؤدي أحيانا إلي الشك بالاصابة بأمراض مختلفة فمثلا مريض التيفود لابد أن يعاني من ارتفاع في درجة الحرارة ووجود طبقة بيضاء علي اللسان وتكسير بالجسم وآلام بالأمعاء وهؤلاء المرضي من معتادي تناول الأطعمة الجاهزة خارج المنزل وهذه الدلائل تؤكد الاصابة بمرض التيفود ومع ذلك يفضل الطبيب عمل التحاليل في دال تست للاختبار للتأكد من هذه الأعراض.وكذلك مرضي البروسيلا( الحمي الملطية) ـ يضيف ـ ويصاب بها الأشخاص المحتكون بالمواشي والأغنام في الريف مثلا ويصاحب هذا المرض الحمي أعراض ارتفاع درجات الحرارة واصفرار الوجه وآلام بالظهر وعرق غزير رائحته كريهة وكل هذا يجعلنا نلجأ إلي تحليل الدم لتأكيد التشخيص ووصف العلاج الصحيح.فالتحليل ـ يتابع ـ ماهو إلا وسيلة مساعدة لتأكيد التشخيص الصحيح وليس أساس التشخيص فالطبيب المتمكن والمتخصص يستطيع التشخيص من خلال الأعراض والشكل الظاهري للمريض ومعرفة ملابسات المرض ثم يأتي التحليل في المرتبة الثانية لتأكيد التشخيص وليس العكس فأحيانا يتم تشخيص الحالة دون اللجوء للتحليل.* ولكن متي يلجأ الطبيب لإرسال المريض لعمل التحاليل ؟!يؤكد الدكتور حسني أن هناك نوعين من التحاليل: تحاليل إجبارية سواء كانت تحليل دم أو بول أو براز فمثلا عندما يأتي إلينا طفل يتراوح عمره مابين5 و15 سنة ويشكو من آلام في المفاصل وأنيميا بالدم واصفرار بالوجه ورعشة باليدين وازدياد في ضربات القلب مع ضيق في التنفس عند بذل أي جهد ولو بسيطا فهناك لابد أن نقوم بعمل تحليل لمعرفة وجود أو عدم وجود الميكروب السبحي الذي يصيب اللوزتين وبالتالي يرسل الطبيب المعالج الطفل الي معمل التحاليل لعمل تحليل دم لمعرفة الأسباب فإذا ثبتت الاصابة بالميكروب السبحي فسيصف له الطبيب المعالج عقار البنسلين طويل المفعول وعقاقير أخري مكثفة وكذلك مرضي الفيروسات الكبدية لابد من إرسالهم لعمل تحاليل إجبارية لمعرفة النسبة وماإن كان الفيروس نشيطا من عدمه خاصة الذين يستعدون للعلاج بالانترفيرون.أسباب كثيرةيري استشاري أمراض الباطنة أن من أسباب اختلاف نتائج المعامل عدم وجود أجهزة حديثة بالمعامل والاعتماد علي فني المعمل وليس الأطباء المتخصصين, علاوة علي عدم الاهتمام اللازم بترقيم العينات وتداخلها بمعني تمييز العينات بعضها عن بعض.ويتساءل الدكتور حسني أين دور وزارة الصحة والتفتيش الدوري علي هذه المعامل ومعايرة الأجهزة الموجودة بها ؟!الاشتراطات المطلوبةيقول الدكتور أحمد الزين رئيس إدارة المعامل المركزية ووكيل وزارة الصحة للتفتيش والمتابعة إن أي خطأ يصدر من معامل التحاليل يؤدي الي نتائج خاطئة وبالتالي يعرض حياة المريض للخطر وقد يقضي علي حياته ومن هنا كان لابد من وضع اشتراطات حازمة لاستخراج تراخيص هذه المعامل بل والمنشآت الصحية سواء كانت مستشفي أو مركز أشعة أو معمل تحاليل.وتقوم وزارة الصحة ـ كما يوضح ـ بالتفتيش علي كل هذه المعامل والتأكد من توافر الاشتراطات الواجب توافرها في المعامل, مشيرا الي أن هناك نوعين من التفتيش علي المعامل: التفتيش الدوري والتفتيش المفاجيء.فهناك المشروع القومي لحصر المنشآت الطبية, وقد تمكن الدكتور سعد المغربي وكيل أول وزارة الصحة ورئيس الادارة المركزية للمؤسسات العلاجية والتراخيص الطبية من وضع خطة تفتيش ومرور دوري ومفاجيء علي جميع المنشآت الطبية وكذلك المرور النوعي بحيث يكون هناك تفتيش نوعي ودوري مفاجيء علي3 محافظات شهريا بالاضافة الي محافظتي القاهرة والجيزة لأنهما تشملان أعلي نسبة منشآت طبية علي مستوي الجمهورية.وينصح رئيس الادارة المركزية للمعامل بضرورة الإبلاغ عن أي معامل مخالفة أو حتي عند استخراج نتائج خاطئة من المعمل سواء لمكتب وزير الصحة أو لرئيس الادارة المركزية للعلاج الحر أو هيئة الرقابة والتفتيش بالوزارة, حيث يتم علي الفور تشكيل لجنة لبحث الشكوي والتصرف حسب القانون.