بقلم : د.نادر نورالدين
منذ ظهور مرض إنفلونزا الطيور عام1997 والعلماء البيطريون يحذرون من انتقال هذا المرض إلي الإنسان والخنازير ويصيبهم الهلع من تصور تكون سلالة جديدة من فيروس الإنفلونزا تكون خليطا من سلالات إنفلونزا البشر والطيور والخنازير مجتمعة, حيث ستكون خارج السيطرة, ويمكن أن تعيد ذكري وباء إنفلونزا هونج كونج الذي قتل أكثر من مليون شخص عام1968 بسبب سلالة فيروس إتش3 إن2. ولأن الفيروسات لها قدرة فائقة علي التحور والتطور وإحداث تغييرات جينية في تركيبها, فسرعان ما تحور فيروس إنفلونزا هونج كونج ثم فيروس سارس إلي فيروس إنفلونزا الطيور بسلالة جديدة حملت التركيب إتش5 إن1 والذي ينتقل من الطيور المصابة إلي الإنسان, وعادة ما يكون قاتلا لأكثر من60% من البشر المنتقل إليهم. ووصل الأمر الآن إلي ظهور السلالة الجديدة من الفيروس التي تصيب الخنازير والبشر معا, والتي تحمل التركيب الجيني إتش1 إن1 ولكن بتركيبين مختلفين, وكلاهما يتصرف طبقا لما صرحت به منظمة الصحة العالمية في27 أبريل بشكل لا يمكن التكهن به. وحتي هذا التاريخ أودت السلالة الجديدة لفيروس إنفلونزا الخنازير بحياة103 أشخاص في المكسيك وأصابت1300 شخص آخر إضافة إلي إصابات قاربت200 شخص في كل من الولايات المتحدة وكندا ونيوزيلندا وإسرائيل وإسبانيا. وعلي الرغم من أرقام الوفيات المرتفع في المكسيك نتيجة للإصابة بالفيروس إلا أن الأمر المشجع هو أن جميع حالات الاصابة في الولايات المتحدة قد استجابت للعلاج وتم شفاؤها جميعا, رغم الإعلان عن أن اللقاح التقليدي لمرض الإنفلونزا البشري التقليدي أتش1 إن1 لا يحمي من السلالة الجديدة للمرض نفسه والذي يحمل نفس التركيب إتش1 إن1, كما أن جميع الحالات المصابة بالمرض حتي الآن في البلدان المختلفة لا يربطها أي ظروف مشتركة في المعيشة أو التعامل مع الحيوانات سوي ثبوت أن الحالات المصابة بالولايات المتحدة وإسبانيا ونيوزيلندا حدثت لمواطنين عائدين من المكسيك أو للمخلطين بشكل مباشر لهؤلاء العائدين.ويبدو أن الأمر مختلف تماما هذه المرة ولا يحتمل أي أخطاء أو تصرفات لهواة أو غير متخصصين وما حدث من تصرفات خاطئة عند المعاملة مع إنفلونزا الطيور في أول ظهورها يجب ألا يتكرر هذه المرة. لذلك فالتعامل مع الخنازير هذه المرة يتطلب عددا من الاجراءات الاحترازية من خلال:1 ـ إجراء الكشف الطبي الدقيق علي جميع الخنازير داخل كل مزرعة وأخذ العينات اللازمة منها للكشف عن الفيروس قبل اتخاذ أي قرار بنقلها خارج القري والمدن والأحياء.2 ـ عدم السماح بنقل أي خنزير تثبت إصابته بالفيروس مع ضرورة إعدامه ودفنه علي عمق مأمون في أرضية المزرعة المصابة مع جميع مخلفاته وبقايا طعامه وإعدام باقي الخنازير داخل المزرعة واتخاذ جميع الاجراءات الكفيلة بالقضاء علي الفيروس من إضافة المطهرات والجير الحي وخلافه, فهذا هو المكان الآمن للمدافن الصحية وليس الصحاري أو مقالب قمامة المدن التي تتطلب الطواف بالحيوانات النافقة داخل قري ومدن بأكملها لتنشر المرض في كل مكان.3ـ نقل مزارع الخنازير إلي خارج المدن والقري والأحياء بمسافات لاتقل عن10 ـ20 كيلومترا علي ألا تكون في اتجاه الرياح المتجهة إلي القرية أو المدينة, وضرورة التشديد علي وجود المطهرات والأمصال والجير الحي في هذه المزارع تحسبا للمواجهة السريعة عند الإصابة بالمرض.4ـ ألا نغفل بأن هذا المرض هو مرض بيطري أولا شأنه شأن إنفلونزا الطيور يمكن أن ينتقل للإنسان, وبالتالي يجب إسناد مهمة المواجهة إلي وزارة الصحة كما حدث في إنفلونزا الطيور لأن الحالات المصابة من البشر حتي الآن لم تصل إلي مائة فرد والوفيات لم تتجاوز26 شخصا بينما الحالات المصابة والنفوق من الطيور قدر بعشرات الملايين, وبالتالي كان تركيز وزارة الصحة علي علاج الحالات البشرية بعد إصابتها بالمرض وليس علي اتخاذ الاجراءات الوقائية البيطرية للوقاية وعدم الإصابة بالمرض ثم اتخاذ إجراءات العلاج البيطري والمواجهة السريعة والتطعيمات العاجلة والمستقبلية.5ـ عدم السماح بتربية الطيور مع الخنازير في نفس المكان, وتنفيذ الإعدام الفوري في الطيور والخنازير في حال وجودهما معا دون الانتظار إلي إجراء تحاليل وجود الفيروس من عدمه.6ـ الأمر هذه المرة جد خطير ولا يحتمل الاستعانة بأهل الثقة أو بالمسئول السياسي كتبرير لإدارة مكان غير مؤهل لإدارته, ولكن هذا الأمر تقني وتكنوقراطي بحت ويجب إسناده كاملا إلي البيطريين والزراعيين الأعلم والأكفأ في علاج المرض, وبالتعامل مع الطيور والحيوانات علي أن تتخذ وزارة الصحة إجراءاتها الاحترازية لعلاج الإصابات البشرية, والاستفادة من خبرات الدول التي تواجه هذا المرض في العلاج البشري.